الهاتف: 961 71015563 | البريد الألكتروني: info@rmeich.org
في زمن الحوار الوطني المتجوّل بين الاستحقاقات المؤجّلة، سلّة وغربال. أما السلّة، فتنوء بحمل ما تراكم من أزمات، من رئاسة الجمهورية المغيّبة موقعاً ودوراً، إلى قانون الانتخاب العصيّ على الإصلاح والتطوير، إلى الانتخابات النيابية المؤجّلة رغم أنف اللبنانيين، إلى اللامركزية الإدارية الموعودة على حبال الانتظار، إلى مجلس شيوخ الطوائف على نحو طرح اللقاء الأرثوذكسي، إلى مسائل أخرى لا تخلو من الإشكالية. عناوين شيّقة، وطنية، ظاهرها مجرّد، وواقعها مجمّد. وأما الغربال، فأداؤه مزدوج: هو المعبر الإلزامي عندما الطبقة السياسية تستنسب في اختيار ما يمكن أن 'يمر' وما لا يمكن أن يجد سبيلاً إلى الإقرار أو... التمرير. وهو أيضاً، أي الغربال، ذاك الوعاء الذي إذا أراد الأبله أن يملأه ماءً، نأى الوعاء عن دوره وانسابت المياه وكأنها لم تكن. هكذا هو واقع بعضٍ من مياهنا الإصلاحية الجوفية ولا سدود، ولا جنّة حكمٍ، بل جحيم انتظار...
بين السلّة والغربال، تقف إصلاحاتٌ في القانون الانتخابي قاب قوسين من الإفلات من عقاب بعض الساسة. في السلّة قانون. وفي الغربال مشاريع واقتراحات تسقط أو تُسقط (بضم التاء). في السلّة تراكم عناوين تتهافت. وفي الغربال تذاكي العرّابين. في السلّة، جزء من كل. وفي الغربال جزء من الجزء. بينهما، أسئلة برسم الحوار وبحجم الحوار وبالمأمول من الحوار...
فالرئيس نبيه برّي يدرك ولا شك، وهو في مقدّم العالمين بشؤون البلد، أن الحوار في الشأن الانتخابي، إن أفضى إلى شيء، فإلى خطوط عريضة وعناوين كبرى وخيارات ترتبط حصراً بتقسيم الدوائر والنظام الانتخابي. وهذا ضروري ومطلوب. إنما المطلوب أيضاً وخصوصاً، عندما يعود المجلس ويضع يده على التشريع الانتخابي، أن ينتقل من تلك الخطوط والعناوين والخيارات، على أهميتها، إلى تفرّعات لا تقل أهمية عن الدوائر والنظام، بل تشكّل الضمانة الحقيقية لحسن التمثيل ولحرية الناخب ولحقوق المرشح وحقوق سائر المواطنين عموماً. هذه 'التفرّعات' هي التي تقيم عدل الميزان، وإلاّ 'طبش' الأخير لصالح المقص ولصالح إعلان النتائج بمجرّد صدور القانون. في غربال السياسة الآنية المبنية على المصالح حصراً، سقطت وتسقط الإصلاحات. هكذا سقطت وأُسقطت الهيئة المستقلة التي من المأمول أن تحل محل وزارة الداخلية والبلديات في الشأن الانتخابي، فتعدّ وتنظّم وتشرف وتكون دائمة الوجود لتشمل الانتخابات العامة كما الفرعية والبلدية والاختيارية. وإليها إصلاحات أخرى، أهمها:
- تعديل دستوري يمنع المس بقانون الانتخاب خلال السنة التي تسبق الانتخابات، تأميناً لاستقرار التشريع، على ما اقترحته الهيئة الوطنية لقانون الانتخاب عام 2006.
- ضبط المال الانتخابي بغير القصور القائم حالياً والذي يكتفي بمراقبة حساب الحملة الانتخابية فيما المطلوب رفع السرية المصرفية عن كل حسابات المرشّح وتجريم 'عادات' رائجة تفسد الاختيار وتضرب تكافؤ الفرص بين المرشحين.
- إدخال الكوتا الجندرية، بالحدّ الأدنى على مستوى الترشيح، تأمينا لتكافؤ الفرص أيضا وأيضا، كتدبير مرحلي ينزل منزلة التمييز الإيجابي.
- تكريس اقتراع اللبنانيين غير المقيمين عبر آليات عملية تلغي التباين بين المعلن والواقع.
- مكننة العملية الانتخابية بكل مراحلها: من البطاقة الممغنطة إلى الفرز الآلي، مروراً بأوراق الاقتراع المطبوعة سلفاً. هذه كلّها إصلاحات ظاهرها تقني وإنما مردودها في صلب حرية الناخب وحقوقه وشفافية الاقتراع.
- التحضير منذ الآن لمراكز اقتراع صديقة لذوي الاحتياجات الإضافية، وفرض مهل وعقوبات على التلكؤ في تأمين هذه الإجراءات.
- إجازة الاقتراع للعسكريين، باعتبار أن حرمان هؤلاء إياه غير مبرّر في موازاة السماح لمدير عام في الدولة، مثلاً، بفائض النفوذ الذي يتمتع به، بأن يقترع.
- أما الإعلام، فرجاء، لا تحاولوا 'تنظيمه'. فإن فعلتم تجاه المرئي والمسموع والمكتوب 'التقليدي'، فكيف التعامل مع ما يُعرف بالتواصل الاجتماعي حيث كل مواطن إعلامي؟ العالم تغيّر وعلى التشريعات أن تجاري التغيّر وربما... التغريد!
قد يقول قارئ إن ما تقدّم هو تغريد، ولكن من خارج السرب. حسناً. مع 'تويتر'، بات للتغريد معنى آخر وربما كان السرب أحيانا... سراباً...
* وزير الداخلية سابقاً.
المصدر: annahar.com
الاشتراك في الرسائل الإخبارية !
يرجى إدخال البريد الإلكتروني الخاص بك و الاسم للانضمام.
لإلغاء الاشتراك اضغط هنا ».