الهاتف: 961 71015563 | البريد الألكتروني: info@rmeich.org
بمناسبة عيد القديس جرجس، نتوجه بأحر بالمعايدة وأطيب الأماني، لكل من يحمل بفخر أسماء جرجس، جوارجيوس، جرجي، جريس، جورج، جورجيت، وكذلك خضر، الخضر، الحارث، وحارث. في قريتنا الحبيبة رميش وقرى الجوار، يحتل القديس مار جرجس مكانة فريدة، فهو شفيعها وحاميها على مر العصور، ورمزه يزين كنائسنا وقلوبنا.
يعتقد الكثيرون في بلادنا، وربما حول العالم، أن اسم 'جورج' أو 'جرجس' هو اسم أوروبي الأصل، مرتبط حصراً بالتقليد المسيحي نسبةً للقديس العظيم مار جرجس، الفارس الشجاع الذي قاتل التنين وأنقذ الأميرة. هذه الحكاية البطولية، التي نراها مجسدة في أيقونات كنائس الشرق والغرب، حيث يطعن القديس التنين برمحه، أصبحت جزءاً لا يتجزأ من تراثنا الشعبي وتتناقلها الأجيال في أحاديثهم وقصصهم. هي قصة البطولة والانتصار على الشر والباطل التي تلهمنا جميعاً.
لكن، ماذا لو كانت جذور هذا الاسم أعمق بكثير مما نعتقد، وتعود إلى أرضنا وتاريخنا القديم؟ تشير الدراسات اللغوية والسجلات التاريخية، خاصة تلك المكتشفة في أوغاريت (رأس الشمرة) على ساحلنا، إلى أصل مختلف ومثير. الاسم في جذوره القديمة (الآمورية-الكنعانية والآرامية) يعود إلى جذر 'ح ر ث'، أي 'الحارث'، وهو الشخص الذي يحرث الأرض ويزرعها. كان هذا اللقب يطلق على 'السيد البعل'، سيد الخصب والزراعة في المعتقدات القديمة، فهو الذي يروي الحقول بالمطر ويجعلها خصبة منتجة. هذا الاسم القديم 'الحارث' دخل إلى اللغة اليونانية، ولعدم وجود حرف الحاء فيها، تحول إلى 'خارث' ثم أضيف إليه حرف السين ليصبح 'خارخوس' أو 'خارخيوس'. ومن هذه الصيغة اليونانية، انتقل الاسم إلى اللغات الأوروبية ليصبح 'جورج' (George)، 'خورخي' (Jorge)، وغيرها. المثير للاهتمام أن صيغة 'جرجس' التي نستخدمها، استعارناها لاحقاً من اليونانية 'خورخيوس'، ربما دون أن ندرك حينها أن اليونانيين قد استعاروا الاسم منّا في الأصل!
تكشف لنا نصوص أوغاريت أن 'البعل-الحارث' كان يُصوَّر أيضاً وهو يتصدى لقوى الشر، الممثلة أحياناً بالتنين أو الأفعى، وينتصر عليها. هذا التشابه المذهل بين أسطورة البعل الأوغاريتية وقصة القديس جرجس والتنين يشير إلى أن الذاكرة الشعبية احتفظت بجوهر هذه الحكاية البطولية عبر آلاف السنين، وإن تغيرت الأسماء وتفاصيل السرد مع مرور الزمن وارتباطها بشخصية القديس العظيم. حتى الموروث العربي والإسلامي احتفظ بصدى هذا المفهوم في شخصية 'الخضر'، المرتبطة أيضاً بالخصب والحياة والماء.
في رميش، تتجاوز علاقتنا بالقديس مار جرجس مجرد التسمية أو الأيقونة. إنها علاقة حية تتجلى في الإيمان العميق بدوره كحامٍ وشفيع للقرية. الأحاديث الشعبية التي يتناقلها الأجداد والآباء والأبناء عن عجائبه وحمايته للقرية ليست مجرد قصص، بل هي شهادة على هذا الارتباط الروحي العميق الذي يربط أهل رميش بقديسهم، والذي يكتسب اليوم بعداً تاريخياً إضافياً يربطه بأرضنا وتراثنا الأقدم.
في الختام، نجدد تهانينا القلبية بالعيد لجميع من يحملون هذه الأسماء المباركة. ولنتذكر دائماً بفخر واعتزاز أن شفيعنا وحامي قريتنا، القديس مار جرجس، ليس فقط رمزاً للإيمان المسيحي وبطلاً هزم التنين في الحكاية الشهيرة، بل هو أيضاً حامل لإرث يمتد عميقاً في تربة تاريخنا المشرقي العريق، إرث 'الحارث' الذي يرمز للخصب والحياة والانتصار على الشر. إنه حامي رميش وشفيعها، اليوم وكل يوم.
فريق عمل موقع رميش دوت أورغ
23 نيسان 2025
المصدر: فريق عمل موقع رميش دوت أورغ
الاشتراك في الرسائل الإخبارية !
يرجى إدخال البريد الإلكتروني الخاص بك و الاسم للانضمام.
لإلغاء الاشتراك اضغط هنا ».